إدارة الأزمات في العهد النبوي- غزوة تبوك أنموذجاً
أ. عبده عبد الله صومعه[*], أ. د. أحمد هدايات[**]
ملخص البحث:
إن غزوة تبوك من الغزوات الفارقة بين الإسلام والكفر، وهي جسر الإسلام إلى بقية قارات الكرة الأرضية، وكان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذ المسلمين وتقويته في جزيرة العرب، فقد تبين للناس أنه ليس لأي قوة من القوى أن تعيش في العرب وتحكمهم سوي قوة الإسلام، وبطلت بقايا أمل وأمنية كانت تتحرك في قلوب بقايا الجاهليين والمنافقين, الذين كانوا يتربصون الدوائر بالمسلمين، وكانوا قد عقدوا آمالهم بالرومان، فقد استكانوا بعد هذه الغزوة، واستسلموا للأمر الواقع؛ ولهذه الغزوة أثر عظيم يُعرفُ من خلال تتابع الوفود وتكاثرها الذي بلغ إلى القمة بعد هذه الغزوة، كما يدرك هذا الأثر من خلال إعلان البراءة ونهاية الوثنية في جزيرة العرب، وهذه الآثار وغيرها تحققت رغم قوة الروم الضاربة وشح الإمكانات البشرية والمادية، وقلة التجهيزات العسكرية، ورغم تربص المنافقين وكيدهم، والمتاعب والصعاب والعسر الذي واجهه النبي e وأصحابه، فقد استطاع e أن يتجاوز هذه الأزمات بكل حنكة وشجاعة، وهذا ما تناولناه بأسلوب إداري تحليلي اعتمدنا فيه على كتب الإدارة وكتب السيرة النبوية، وإذا نظرنا إلى غزوة النبي e في تبوك، وتجاوزه لهذه الأزمة وما صحبها من أزمات، لوجدنا أن النبي e قد أدارها ببراعةٍ وحنكةٍ متناهيتين، بل وحولها إلى مكاسب عظيمة للإسلام والمسلمين، وهو ما سندركه جلياً من خلال عرض وقائع هذه الغزوة، وهذا ما يجعلنا نزداد يقيناً بأن هذا النموذج من الإدارة يعد تأصيلاً وتقعيداً لإدارة الأزمات، الأمر الذي يستوجب على المختصين في المجال الإداري والعسكري دراسة وتعليم هذا النموذج الفريد، الذي يقف له كبار علماء الإدارة وقفة إجلال وإكبار لمعلم البشرية محمد e.
Summary:
A unique aspect of the genius of prophet Muhammad (PBUH) in management science was revealed through the way he behaved in crisis management during that era. The researcher applied one model; the battle of Tabuk, which is considered one of the greatest crises that prophet Muhammad (PBUH) and his companions have faced. They overcame this crisis successfully and turned it into a big victory. The researcher studied and analysed this crisis using some modern methods of the management science.
المقدمة:
تحدث الأزمات على المستوى الفردي والجماعي، وعلى مستوى الدولة فهي قديمة قدم الإنسان على الأرض، وقد تكون الأزمة نافعة للإنسان إذا ما تعلم واعتبر منها فهي فتنة، والفتنة اختبار، العبرة فيها بالنتيجة فإذا تغلب عليها الفرد أو الجماعة أو الدولة كانت لهم عبرة، ولكي لا تتكرر ينبغي اجتناب أسبابها، أما من يفشل في درئها فأنها تتكرر حتى تتفاقم فيصعب حلها، وإذا أمكن حلها أخذت وقتاً طويلاً، وجهداً مضنياً.
وقد حدثت عدة أزمات عبر التاريخ الإسلامي، كانت بدايتها في العصر الأول من الرسالة ثم استمرت بعده, وقد تمكن الرسول e مع صحابته من التغلب عليها، وأخذ الصحابة العبرة منها وتعلموا منها وذلك هو الذي مكنهم من القضاء على الأزمات التي حدثت بعد عصر الرسالة ، وحل الأزمات أولاً بأول حتى لا تتراكم[1].
وكانت غزوة تبوك التي سميت (بالعسرة) من أعظم وأكبر الأزمات التي أدارها النبي e مع أصحابه إدارةً فائقةً -كما سيتضح من خلال دراستنا هذه-، وقد رافق هذه الأزمة أزماتٌ أخرى، سنرى أن النبي e مع أصحابه استطاع تجاوزها، بل استطاع تحويلها إلى مكسب سياسي عظيم قويت شوكة الإسلام في الجزيرة العربية وامتد من خلاله الإسلام إلى أرجاء المعمورة، ليكن ذلك شاهداً تاريخياً على براعة النبي e وفريق عمله من الصحابة، وعلى أن هذا النموذج من إدارة الأزمات يستحق أن يكون منهجاً أساسياً يدرّس في علم الإدارة.
وسوف يتناول الباحث هذه الأزمة وتحليلها من خلال الأبعاد والعناصر التي يعتمد عليها بعض مناهج الإدارة، والتي تمثل مجموعة من المتطلبات التي يحتاج الفريق إلى تطبيقها حتى يتجنب منع حدوث الأزمات، أو إدارة الأزمة بحنكة خلال مراحلها المختلفة، ومن ثم يجب التأكد من استعداد الفريق عن طريق تطبيق هذه الأبعاد والعناصر وهي[2]:
1. سياسات وخطط إدارة الأزمات.
2. نظام الإدارة وهيكل السلطة.
3. إدارة الموارد: الإعداد للتقليل الخسائر واستعادة النشاط.
4. إدارة الأطراف المعنية: ربط الإدارة بالأطراف الداخلية والخارجية.
5. التقييم والتَعْلم المستمر.
البعد الأول: سياسات وخطط إدارة الأزمات.
(Crisis management Policies and Plans)
وتتم عبر الأتي:
أ- مساندة الإدارة العليا. (Top management support)
إن مساندة الإدارة العليا أمر مهم في نجاح الفريق وتجاوز الأزمات سواء كانت هذه المساندة مادية أو معنوية، ولم تغب أو تتأخر مساندة النبي e لفريقه متى طلب منه أو رأى ذلك ويظهر هذا بوضوح في عدد من المواقف التالية في هذه الغزوة:
1- قال عمر بن الخطاب t: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقى على كبده فقال أبو بكر الصديق t: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا فقال: أو تحب ذلك؟ قال: نعم قال: فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر[3].
2- وعن أبي هريرة t قال: لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادهنا ؟ فقال رسول الله e: افعلوا فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله أن يجعل فيها البركة فقال رسول الله: نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف من التمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا رسول الله e بالبركة ثم قال لهم: خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله e: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة"[4].
3- قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله e حين مر بالحجر نزلها واستقى الناس من بئرها فلما راحوا قال رسول الله e: لا تشربوا من مائها شيئاً ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله e إلا أن رجلين من بني ساعده خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعير له فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء فأخبر بذلك رسول الله e فقال: ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه ثم دعا رسول الله e للذي أصيب على مذهبه فشفي وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيء فإن طيئاً أهدته لرسول الله e حين قدم المدينة[5].
4- وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ما يروي الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له وادي المشقق فقال رسول الله e: من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه. قال: فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله e وقف عليه فلم ير فيه شيئاً فقال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ فقيل له: يا رسول الله فلان وفلان فقال: أو لم أنههم أن يتسقوا منه شيئاً حتى آتيه! ثم لعنهم رسول الله e ودعا عليهم. ثم نزل فوضع يده تحت الوشل, فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به ومسحه بيده, ودعا رسول الله e بما شاء الله أن يدعو به فانخرق من الماء كما يقول من سمعه ما إن له حساً كحس الصواعق, فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه. فقال رسول الله e: لئن بقيتم أو من بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه[6].
مما سبق يتضح أن مساندة النبي e لأصحابه كانت حاضرة وتأتي في وقتها المناسب:
- سواءً طلب منه المساندة كما في الحادثة الأولى حينما أصاب الصحابة عطش كاد يقطع رقابهم فدعاء لهم فجاء المطر، وفي الثانية حينما دعا بفضل أزوادهم ثم دعاء لهم بالبركة فملئوا جميع اوعيتهم وكانت استجابة النبي e فيهما سريعة.
- أم لم يطلب منه المساندة، فقد كانت تأتي استباقية ودون أن يطلب منه في بعض الأحيان، وذلك حتى يجنب أصحابه أخطارا ومهالك تأتي عليهم كما في الثالثة حين نهاهم أن يشربوا أو يستعملوا ماء البئر الذي بالحجر؛ ربما لهلاك قوم قبلهم في هذا المكان، وكذلك نهيه لهم بالخروج الانفرادي حتى يجنبهم هلاك محقق وقع فيه احدهم بسبب مخالفته، وتمثلت كذلك مساندته في تجاوزه عقبات كان من الممكن أن توقف طريق سيرهم أو تكون سبباً في هلاكهم كما في الرابعة حينما نهاهم أن يستقوا من الوادي حتى يأتيه ويجد حلاً لشحة المياه التي فيه، ولم تكن مساندة النبي لأصحابه محصورة في ما ذكرناه في هذه الغزوة فمساندة الإدارية غير محدودة.
ب- استكشاف وتحديد الإشارات والتعرف على أنواع الأزمات والتخطيط لها.
Signal detection, recognition and planning of types of crises.
لقد كان اكتشاف هذه الأزمة بدايةً، حين قُتِل سفير رسول اللّه e ـالحارث بن عمير الأزدي على يدي شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي e إلى عظيم بُصْرَي، فراء النبي e بأن يوجه ضربة للروم، حتى لا تزداد جرأتهم على المسلمين، فخطط وأرسل سرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان اصطداماً عنيفاً في مؤتة، ولم تنجح في أخذ الثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم، وتغيرت حساباتهم تجاه المسلمون.
ثم تلقي الصحابة إشارات من خلال سماعهم للأخبار العامة بإعداد الرومان؛ للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين، حتى كان القلق يتسورهم كل حين، لا يسمعون صوتاً غير معتاد إلا ويظنونه زحف الرومان، ويظهر ذلك جلياً مما وقع لعمر بن الخطاب، فقد كان النبي e آلى من نسائه شهراً في هذه السنة التاسعة للهجرة، وكان هجرهن واعتزل عنهن في مشربة له، ولم يفطن الصحابة إلى حقيقة الأمر في بدايته، فظنوا أن النبي e طلقهن.
ثم تأكد للنبي وأصحابه الإشارات السابقة من خلال الأخبار الخاصة من الأنباط الذين قدموا بالزيت من الشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشاً عرمرماً، قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطي قيادته لعظيم من عظماء الروم، وأنه أجلب معهم قبائل لَخْمٍ وجُذَامٍ وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء، وبذلك تمثل أمام المسلمين خطر كبير فكانت خطة النبي في أن يفاجئهم بغزوه لهم[7] .
واكتشف النبي e أزمة أخرى خطيرةً كائنةً في أوساط المسلمين، وهي أزمة المنافقين، وقد تم التعرف على هذه الأزمة والتأكد منها من خلال إرجافهم وتخويفهم المسلمين من قتال الروم، والتشكيك في معجزات النبي e، وتخلف بعضهم من الخروج مع المسلمين، ورجوع عبد الله بن أبىّ بمن معه، وبنا مسجد الضرار الذي أصبح وكراً لهم ولدسائسهم، وقد كان تخطيط النبي وتصرفه مع هذه الأزمة محكماً حيث فضحهم ونسف أوكارهم ومعاقلهم، وتجاوز هذه الأزمة في كل مراحلها وصورها المختلفة، التي يطول سردها هنا، ونكتفي بإشارتنا لها، حيث أن محلها مفصلة في كتب السير.
ج- إعداد خطط وأدلّة إدارة الأزمات.
.Crisis management plans and manuals
لقد أعد النبي e وفريقه من الصحابة رضوان الله عليهم الخطط الكافية لإدارة الأزمات التي تعرضوا لها في هذه الغزوة، فمثلاً أزمة استعداد الروم لغزو المسلمين خطط لها باستباقهم وبتوجيهه ضربة لهم في عقر دارهم، وأزمة قلة العتاد والغذاء خطط لها بالحث والندب على الإنفاق، وأزمة المنافقين خطط لها بكشفهم والقضاء على تآمراتهم، وهكذا بقية الأزمات والمقام يطول في ذكرها وكيف خطط لكل أزمة وما يناسبها من الخطط.
وقد كان تخطيط رسول الله e للأزمة الكبرى وهي (استعداد الروم لغزو المسلمين) بأن أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وكان رسول الله e قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له، إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم[8]، فوضع الخطط الدفاعية والهجومية والتموينية والإمدادية وغيرها كما سيأتي ويظهر لنا من خلال ذكر وتحليل وقائع المعركة وما سبقها من إعداد.
د - مُراجعُة واختبار خطّط إدارة الأزمات.
.Reviewing and testing of crisis management plans
إن مُراجعُة واختبار الخطّط أمر مهمٌ جداً في النظم الإدارية الحديثة –خاصةً إدارة الأزمات- وهو ما نجده متجسداً فى العهد النبوي بما في ذلك غزوة تبوك, قال ابن إسحاق: "ومضى رسول الله e سائراً فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان فيقول: دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل: يا رسول الله قد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال: فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه.
وقد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له: مخشن بن حمير يشيرون إلى رسول الله e وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال إرجافاً وترهيباً للمؤمنين، فقال مخشن بن حمير: والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه، فقال رسول الله e لعمار بن ياسر: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا, فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا, فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم: فأتوا رسول الله e يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ورسول الله e واقف على ناقته فجعل يقول وهو آخذ بحقبها: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله عز وجل: ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب﴾"[9] "[10].
وفي هذه المواقف اختبار للمتخلفين عن هذه الغزوة، وامتحان لصدق نواياهم ومراجعة لما بايعوا وعاهدوا عليه الله تعالى ورسوله e، وفيها أيضا مراجعة وتيقظ لمخططات المنافقين ورصداً لتحركاتهم وإيقافها قبل تدمير الجيش والمجتمع الإسلامي من خلال إشاعاتهم ومواقفهم الخبيثة.
هـ- الموافقة على خطّط إدارة الأزمات.
. Approval of crisis management plans
لما قرر الرسول e الموقف (غزوة تبوك) أعلن في الصحابة أن يتجهزوا للقتال، وبعث إلى القبائل من العرب وإلى أهل مكة يستنفرهم، وكان شأنه e أنه كل ما يريد غزوة يغزوها إلا وَرَّي بغيرها، ولكنه نظراً إلى خطورة الموقف وإلى شدة العسرة أعلن أنه يريد لقاء الرومان، وجلي للناس أمرهم؛ ليتأهبوا أهبة كاملة، وحضهم على الجهاد، ونزلت قطعة من سورة براءة تثيرهم على الجلاد، وتحثهم على القتال، ورغبهم رسول اللّه e في بذل الصدقات، والإنفاق في سبيل اللّه.
ولم يكن من المسلمين حينما سمعوا صوت رسول اللّه e يدعو إلى قتال الروم إلا وتسابقوا إلى امتثاله، فقاموا يتجهزون للقتال بسرعة بالغة، وأخذت القبائل والبطون تهبط إلى المدينة من كل صوب وناحية، ولم يرض أحد من المسلمين أن يتخلف عن هذه الغزوة، إلا الذين في قلوبهم مرض وإلا ثلاثة نفر، حتى كان يجيء أهل الحاجة والفاقة يستحملون رسول اللّه e؛ ليخرجوا إلى قتال الروم، فإذا قال لهم:﴿لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ﴾[11] [12]، فكان في سرعة استجابتهم وتسابقهم وبذلهم وتضحيتهم في سبيل الله موافقة لهذه الخطة التي رسمها النبي e، بل وأي موافقة اكبر وأعظم من هذه التي يرجع بعضهم وقلبه يعتصره الحزن والألم ولا تستطيع أن تخفي عينيه ما بداخله فتنهمر دمعاً ألا يجد ما يعينه على الخروج والقتال مع المسلمين، فكان تعبير الفعل منهم بالموافقة أعظم من التعبير باللسان، وقد حصل بهما معاً في هذه الغزوة المباركة.
الشكل توضيحي لغزوة العسرة ومدى الجهد الذي بذله المسلمون والمشقة التي أصابتهم[13].
البعد الثاني: نظام الإدارة وهيكل السلطة.
.Management system and command structure
لم يكن نظام إدارة أزمة تبوك عشواء بل كان نظاماً مرتباً ودقيقاً حيث أنشاء رسول الله e فرقاً تعمل تحت إدارته بحيث قام كل فريق بالمهام التي أوكلها إليه النبي e: ففريق كلفهم بالاستنفار والتجهيزات العسكرية، وهم رؤساء القبائل ووجهاء قريش أمثال أبو سفيان t، وفريق كلفهم بالإمداد والموارد المالية والتموينية وعلى رأسهم عثمان بن عفان t، وفريق برئاسة على بن أبي طالب ومحمد بن سلمة م كلفهم بإدارة شؤون السلطة المحلية للمدينة المنورة، وفريق برئاسة عمار بن ياسر كلفهم بإدارة الأجهزة الأمنية، وملاحظة المنافقين والمثبطين.
وقد أعطى e الأولوية في توزيع هذه المهام بناءاً على الخبرات السابقة، ومراعاة الاهتمامات واحترام التخصصات، كما أنة مزج بين الموارد البشرية والموارد المادية، وهذا ما بات يعرف اليوم في علم الإدارة "بوظائف الإدارة الخمس"، بل نستطيع أن نقول: إن المتأمل في إدارة النبي e لغزوة تبوك وغيرها، يجد تطوراً هائلاً للأصول الأساسية للإدارة في ذاك الزمن، سبق بة (هنري فايول) مؤلف كتاب "النظرية الكلاسيكية للإدارة"،بأربعة عشر قرناً[14].
- وقد كان هيكلة السلطة في غزوة تبوك كما يلي:
. الرسول الله e: مدير إدارة الأزمات والقائد الأعلى.
. أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب م: وزرائه ومستشاريه.
. عثمان بن عفان: مدير إدارة الموارد والتموينات العسكرية.
. على بن أبي طالب: خليفة النبي في أهلة.
. محمد بن سلمة: أميراً على المدينة.
. حذيفة بن اليمان: أمين السر وراصد تحركات المنافقين.
. خالد بن الوليد: قائداً عسكرياً للمهمات الخاصة والسريعة.
يتبع