3. العلماء الذين ذمُّوا الحساب لإثبات مواقيت الصلاة
وقد تنبه إلى خطورة هذه الطريقة الحسابية لتحديد مواقيت الصلاة وأنكرها لعدم موافقتها مع أصول دين الإسلام ودعا إلى التمسك بالطريقة الشرعية غير واحد من علماء الشريعة الإسلامية من القدماء والمعاصرين منهم :
% إبراهيم بن علي بن محمد بن منصور بن عوض الأصبحي أبو إسحاق اليماني الشافعي مذهبًا1 المعروف بابن المبرذع المتوفى سنة 667ه في كتابه الذي نقدمه الآن إلى القراء والذي هو بعنوان "كتاب اليواقيت في علم المواقيت"حيث قال فيه ما نصه :"اعلم أن أوقات الصلاة لا تُعرف بدرج الأسطرلاب ولا هي من علم المنجمين تُعرف بالحساب وإنما تعرف بالعيان ؛ كما جاء عنه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أن جبريل أتاه من عند الله تعالى فعلَّمه أوقات الصلاة في يومين متواليين ، والمنجمون إنما أخذوا علمهم عن إقليدس والسندهند وأرسطاطاليس وغيرهم من الفلاسفة وهم كلهم كَفَرَة يُكذِّبون بما جاءت به الأخبار عنه ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ وكذبوا العيان الذي نصَّ عليه الرسول ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ وقالوا حسابنا أصدق منه ، وهذا مذهب قوم يقال لهم السوفسطائيون جحدوا العلوم وأبطلوا الحواس الخمس ، وقد قال ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ :"ليس الخبر كالمعاينة"، فكذبوا الرسول وصدَّقوا حسابهم فالويل لهم ولمن يعمل بحسابهم خاصة في أمر الدين ومعتقدات التوحيد أو يصدقهم في مقالتهم أو في قضائهم الذي يقضون به" انتهى
وممايدل على مكانته العلمية وعلو أهمية كتابه هذا :
ماقاله بهاء الدين الجندي المتوفى 732هفي حقه: «كانفقيهًا نحويًّا لغويًّا عارفًا بالحسابإمامًا في علم المواقيت وتصنيف الكتاباليواقيت في علم المواقيت يدل على ذلكوهو كتاب جليل في فنِّه يُتداول بين أهلاليمن وهو برتبة الفقهاء بني فليح وعنهأخذ الفقهاءُ.»ثمقال في موضع آخر في حق الفقيه عبد الله بنمحمد الباحري : « وأخذعن ابن المبرذع كتابه اليواقيت في المواقيتوأخذته أنا عمن أخذه عنه.»2
ـــوما قاله العباس بن علي الغساني الرسولي : «كانفقيهًا نحويًّا لغويًّا إمامًا عارفًابالحساب له كتاب يسمى "اليواقيتفي علم المواقيت"يدلعلى جودة معرفته وفضله وهو كتاب جليلمتداول بين أهل اليمن وهو برتبة الفقهاءبني فاضل.»3
ــــوقال الزركلي :"صنَّف"اليواقيتفي معركة المواقيت"فيبغداد ،قال بامحزمة:كتابجليل يدل على سعة علم مصنفه.وقال:أخذعنه عدة من الفقهاء واستجازوه"ه4
%أبوعبد الله محمد بن رحيق بن عبد الكريم من علماء القرن الرابع أو الخامس فيما يبدو من كتابٍ له بقي من عنوانه المستطاع قراءته من نسخته المخطوطة المحفوظة في مكتبة مدينة برلين ـــ ألمانيا ـــ5:
"كتاب المنازل على مذاهب العرب"
قال فيه ـــ رحمه الله تعالى ـــ :"باب مواقيت الصلاة ؛ اعلم وفقنا الله وإياك أن الأوقات لا تعرف إلا بالعيان والرصد لا بالأسطلاب والتنجيم كما ذكر بعض المتأخرين ، وإنما تحققناها بما ورد به الشرع عن النبي ــــ صلى الله عليه وعلى آله ــــ حين جاءه جبريل ـــ عليه السلام ــــ فعلَّمه أوقات الصلاة في اليومين..."انتهى كلامه
%وحكى الماوردي الشافعي المتوفى 450ه في مسألة :هل يجزئ الصوم لمن صام بناءً على الحساب ؟وجهين اثنين في المذهب فقال : « الوجه الثاني :لايجزئه وعليه الإعادة لأن النجوم والحساب لا مدخل لها في العبادات وأحكام الشرع »ه1 قلت :فهذاالتعليل عام يشمل مواقيت الصلاة.
%شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى 728ه فقال ـــ رحمه الله تعالى ـــ في كتابه"الردعلى المنطقيين"مانصُّه :« فنحن قد بينا أن شريعة الإسلام ومعرفتها ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلاً وإن كان طريقًا صحيحًا بل طريق الجبر والمقابلة فيها تطويل يغني الله عنه بغيره كما ذكرنا في المنطق ؛ وهكذا كل ما بعث به الرسول ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ مثل العلم بجهة القبلة والعلم بمواقيت الصلاة والعلم بطلوع الفجر والعلم بالهلال فكل هذا يمكن العلم به بالطرق المعروفة التي كان الصحابة التابعون لهم بإحسان يسلكونها ولا يحتاج معها إلى شيء آخر وإن كان كثير من الناس قد أحدثوا طرقًا أُخر وكثير منهم يظن أنه لا يمكن المعرفة بالشريعة إلا بها وهذا من جهلهم. »انتهى2
%الحافظ ابن رجب الحنبلي المتوفى 795ه
إذ قال ـ رحمه الله ـ :"فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال فإن غمَّ أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب.وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر أيضًا ؛ فأوله طلوع الفجر الثاني وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه الأرض وآخره غروب الشمس.كما علق بمسير الشمس أوقات الصلاة ؛ فصلاة الفجر أول وقتها طلوع هذا الفجر وآخره طلوع الشمس ؛ وأول وقت الظهر زوال الشمس وآخره مصير ظل كل شيء مثله وهو أول وقت العصر وآخره اصفرار الشمس أو غروبها وهو أول وقت المغرب وآخره غروب الشفق وهو أول وقت العشاء وآخره نصف الليل أو ثلثه ويمتد وقت أهل الأعذار إلى طلوع الفجر فهذا كله غير محتاج إلى حساب ولا كتاب."انتهى3
% سبط المارديني الشافعي المتوفى 912ه
له فتوى مطولة بعنوان "مواقيت الصلاة على قول أهل الفلك هل توافق قول أهل الشرع أو لا"وقد قمنا بتحقيقها وألحقناها عقب تحقيقنا لكتاب اليواقيت في علم المواقيت هذا لابن المبرذع.
% محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني المتوفى 1182ه
قال صديق حسن خان:" للسيد الإمام العلامة المجتهد شيخ شيوخنا محمدبن إسماعيل الأمير اليماني ـــ رحمه الله ـــ رسالة سماها "اليواقيت في المواقيت" ألَّفها في ذكر أوقات الصلوات الخمس على ما وردتبه السنة المطهرة صرح فيها بأن العمل في الصلاة والصوم على علم المواقيت بدعة قبيحة من أحداث الملوك ولا يتوقف عليه معرفة أوقات الصلاة وهذه الرسالة نفيسة جدًّا."انتهى4
%صديق حسن خان
قالـــ رحمه الله ـــ :"فمن ظنَّ أن شيئًا من علم الشريعة محتاج إلى علم النجوم المصطلح عليه فهو إما جاهل لا يدري بالشريعة أو مغالط قد مالت نفسه إلى ما نهى عنه الشارع وأراد أن يدفع عن نفسه القائلة فاعتل بأنه لم يتعلق بمعرفة ذلك إلا لكونه قد تعلقت به معرفة أوقات الصلوات وكثيرًا من نسمعه من المشتغلين بذلك يدلي بهذه الحجة الباطلة فيصدقه من لم يثبت قدمه في علم الشريعة المطهرة".انتهى5
% محمد ناصر الدين الألباني المتوفى 1420ه
قال ـــ رحمه الله ـــ :"المهم أن يتأكد المسلم من غروب الشمس بطريقة أوبأخرى وأقوى هذه الطرق هي الرؤية العينية وبعدها الخبر الصحيح ممن رأى الشمس ؛ أما الآن فلا شيء من ذلك إطلاقًا إلا التوقيت الفلكي وهذا التوقيت الفلكي كرؤية الهلال الفلكية كلاهما يخالف الشريعة الإسلامية فكما لا يجوز إثبات هلال رمضان بعلم الفلك إلا بالرؤية العينية كذلك لا يجوز إثبات الإفطار أو أي وقت من الأوقات الخمس إلا بالرؤية البصرية هذه ذلك حكم الله (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوها )". انتهى6
1 يراجع "الحاوي الكبير" له ( 3 / 423 ) ؛ وحكاه أيضًا العمراني المتوفى 558 ه في "البيان"ـ والنووي المتوفى 676 ه في "المجموع شرح المهذب"
2 « الرد على المنطقيين » ( ص303 ـ ط. الريان )
3 "فتح الباري" له( 2 / 295 ـ ط. ابن الجوزي )
4 "أبجد العلوم" ( 1 / 531 ) ؛ قلت: لم أقف على هذا الكلام في كتاب "اليواقيت في المواقيت" للصنعاني المطبوع ؛ ثم وقفت لهذا الكتاب على عدة نسخ خطية ليس فيها هذا النص ؛ وإذ الأستاذ الكبير صديق حسن خان ــ عليه رحمة الله ــــ كان ينسخ المخطوطات بيده ، وقد جاء في ترجمته أنه نسخ أكثر من عشرين مخطوطًا من مخطوطات كتب الصنعاني وذلك عند القاضي حسين بن محسن الأنصاري فلعله وقف على نسخة نفيسة منه وجد فيها هذا الكلام. والله علم.
5 كتابه "الروضة الندية شرح الدرر البهية" ـــ باب مواقيت الصلاة ــــ
6 الشريط رقم ( 319 ) من "سلسلة الهدى والنور"
1ينظر : "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي ؛ و"قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر" ؛ و"معجم المؤلفين"
2« السلوك في طبقات العلماء والملوك »
3« العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية » (ص163)
4 كتاب "الأعلام" له
5 قد أرَّخ كارل بروكلمان هذه المخطوطة في كتابه "تاريخ الأدب العربي" قائلًا : « كتب حوالي سنة 411 ه / 1020 م »