مصطفى الزرقا
(1907 - 1999 م)
- مولده ونشأته:
هو العلّامة الفقيه المتقن (مصطفى بن أحمد بن محمد بن عثمان بن محمد بن عبد القادر الزرقا، ولد في حي (بانقوسة) من أحياء مدينة حلب الشهباء سنة (1325 ه = 1907م).
نشأ في بيت علمٍ وفضلٍ، وفي أسرة يُشار إليها بالبَنان، ويؤمُّها طلبة العلم، وأصحاب الحاجات، والقضاة، والمحامون.
- طلبه العلم الشرعي
يعودُ الفضلُ في سلوك الأستاذ مصطفى الزرقا طريقَ التفقُّه في علوم الشريعة الإسلامية خصوصاً، والآداب العربية، واللغة، والمعارف الحديثة عموماً بعد الله سبحانه وتعالى، إلى جدّه الشيخ محمد رحمه الله، حيث إنَّ الشيخ مصطفى كان قد انصرف إلى التجارة في أول عمره يعمل فيها مع أخيه الأكبر محمد، معرضاً عن العلم الشرعي وغيره من العلوم، ففي التجارة غُنية وشغل شاغل.
ويأتي دور الجد في التأثير غير المباشر من خلال الحلقات العلمية التي كانت يعقدها، وأهمها ما كان يفعله من مناقشة وحوار يبهر العقول، وكان شيخنا مصطفى يحضر مع والده أحمد، ولمّا كان الشيخ أحمد فقيهاً متمِّرساً، كان يحاور أباه (الجد)، ويناقشه في بعض المسائل الفقهية، والأمور العصرية الأخرى، وإذا حضر أحد العلماء الآخرين، تزاد الحلقة اتساعاً وثراءً فقهياً، وجدلاً علمياً مفيداً، والشيخ مصطفى يستمع إلى كل ذلك ويؤثر فيه، بل يُطلَب منه -من خلال المناقشات- أن يُحضِرَ ذلك الكتاب، وهذا الجزء هذه الندوة العلمية إذا صحَّ التعبير.
ومن خلال هذا كله لمح الجد في حفيدِه مصطفى نبوغاً واستعداداً فطرياً يجعله مؤهَّلاً لسلوك طريق العلم، ومن هنا وقع اختياره عليه لدخول المدرسة الخسروية ودراسة الفقه.
وقد كان الشيخ أحمد ابتداءً يخبر ولده مصطفى برغبة جده، ولكنه -أي الشيخ مصطفى- لم يكن يستجيب له، ولم يسارع لتنفيذ هذه الرغبة، بل كان يعارضها ويرفضها، وذلك لأمرين:
· أولهما: أن أحوال المشايخ وطلبة العلم لم تكن تُعجبه.
· وثانيهما: رغبته في العمل التجاري مع أخيه.
ثم ازداد إلحاح الجد يطلب مصطفى للدراسة، وقرب موعد بداية التدريس في المدرسة، ولكن دون جدوى، فالشيخ مصطفى مُصِرٌّ على عدم الالتحاق، وعلى رفض هذه الفكرة، ولهذا السبب قرَّرَ الجد حرمان حفيده مصطفى من الحضور مع والده اللقاء اليومي بعد المغرب، فلم يتأثَّر الشيخ مصطفى لأول وهلة، ومضت بضعة أيام، وأخرى، حتى بدأ الشيخ مصطفى يشعر بالضيق، ويشعر بألم العقوبة (الحرمان) جراء منعه من زيارة جده، خاصةً إذا علمنا أنه كان يحب جدَّه محبةً عظيمة، وكان تعلقه به تعلّقاً يهون في مقابله كل شيء، ومضت أيام أخرى جعلت الشيخ مصطفى يستسلم، ويلقى عصا الطاعة، ويدخل المدرسة الخسروية، ويتفوَّق على أقرانه، ويظهر نباهة ونبوغاً عزَّ نظيره، يدلُّ على أنَّ اختيارَ الجدّ كان موفَّقاً، وكان في محلّه، رحمه الله رحمةً واسعة.
وحينما نجلس بين يدي أستاذنا الشيخ مصطفى -رحمه الله- على مقاعد الدراسة (في الجامعة الأردنية)، وحينما كنا نلتقيه، ونستمع إليه ونقرأ كتبه، كنا نتساءل: كيف تكوَّن هذا الجبل بل البحر من العلم؟ وما هي العوامل التي أثَّرت في تكوينه؟ هل هي الدراسة على الطريقة القديمة بالتلقّي المباشر عن العلماء؟ أم هي الدراسة في الجامعة السورية؟ أم هي كل ذلك؟ أم هي هبة من الله وكفى؟.
والإجابة على هذه التساؤلات تتضح من خلال تتبُّع مراحل طلبه العلمَ، التي بدأت بالكتاتيب، وانتهت بالدبلوم العالي من جامعة القاهرة.
- مراحل التعليم بإيجاز:
= المرحلة الأولى: مرحلة الكتاتيب.
= المرحلة الثانية: المدرسة الفرنسية في حلب.
= المرحلة الثالثة: المدرسة الخسروية "الشرعية".
= المرحلة الرابعة: البكالورية في شعبتي العلوم والآداب في حلب.
= المرحلة الخامسة: البكالورية في شقّها الثاني.
= المرحلة السادسة: الجامعة السورية "جامعة دمشق حالياً".
= المرحلة السابعة: جامعة فؤاد الأول "القاهرة".
- أهم شيوخ الشيخ مصطفى وأساتذته في المدرسة الخسروية:
· والده الشيخ العلّامة أحمد بن محمد الزرقا.
· الشيخ محمد بن محمد خير الدين بن عبد الرحمن آغا ابن حنيف أغا بن إسماعيل المشهور بالحنفي .
· الشيخ العلَّامة محمد راغب الطباخ.
· الشيخ أحمد مصطفى الكتبي.
· الشيخ أحمد بن محمد عسَّام الكردي.
· الشيخ عيسى بن حسن البيانوني.
· الشيخ إبراهيم السلقيني.
· الشيخ محمد الناشد.
· الشيخ أحمد الشماع.
· الشيخ عبد الله حماد.
· الشيخ فيض الله الأيوبي الكردي.
- أساتذة الأستاذ الزرقا وأساتذته في الجامعة السورية:ومنهم:
· الأستاذ الشيخ محمد أبو اليسر عابدين.
· شاكر الحنبلي.
· فارس الخوري.
· عبد القادر العظم.
· الشيخ عبد القادر المغربي.
- ومن تلاميذ الشيخ مصطفى الزرقا:
· الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله.
· د. محمد فوزي.
· د. محمد أنس الزرقا.
· سماحة الشيخ نوح علي السلمان مفتي القوات المسلحة الأردنية سابقاً.
· والسيد محمد رسول الكيلاني وزير الداخلية الأسبق في الأردن.
· وسماحة الشيخ الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني وزير الأوقاف الأسبق في الأردن.(*)
- مؤلفاته :
بدأ الشيخ الكتابة في سن مبكر ، وساعده على ذلك علمه الشرعي واللغوي، وثقافته الواسعة ، وطبيعة البيئة التي نشأ فيها ، والظروف التي أحاطت به، فكان أن اخرج الشيخ الكتب المميزة التي لم يسبق اليها ، ومنها :
تحقيق كتاب " المذكر والمؤنث" للفراء المتوفى سنة 207. حقق هذا الكتاب بتشجيع من استاذه الشيخ راغب الطباخ ، وكان مضى من عمر الشيخ في ذلك الوقت نحوا من 23 سنة .
= تحقيق كتاب " مختصر الوجوه في اللغة" للخوارزمي .
= السلسلة الفقهية في 4 مجلدات ، وقد جمعت 3 كتب من أنفس الكتب وأحسنها ، وكان عنوانها الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، منها :
أ- المدخل الفقهي العام .
ب- المدخل الى نظرية الالتزام العامة .
ج- العقود المسماة في الفقه الاسلامي "عقد البيع" .
= شرح القانون السوري في 3 مجلدات ، وقد اشتمل على الكثير من المقارنات بين الفقه الاسلامي والقانون الوضعي ، وأوضح مزايا الشريعة على القانون .
= فقه المعاوضات
= أحكام المرأة في الفقه الاسلامي .
= أحكام الوقف في الشريعة الاسلامية .
= دعوى الحسبة في الشريعة الاسلامية .
= مشكلات أسرية وعلاجها على ضوء الشريعة الاسلامية والقانون .
= الاستصلاح .
= نظام التأمين والرأي الشرعي فيه .
= الفقه الاسلامي ومدارسه .
= فتاوى الشيخ الزرقا جمعها تلميذه الشيخ مجد مكي .
= ديوان شعري باسم قوس قزح .
وقد حصل الشيخ مصطفى على جائزة الملك فيصل للدراسات الاسلامية سنة 1404 تقديرا لانجازاته الكثيرة في خدمة هذا الدين العظيم ، وبخاصة على كتابه " المدخل الى نظرية الالتزام في الفقه الاسلامي " .
- وفاته :
توفي الشيخ بعد صلاة عصر يوم السبت 19 ربيع الأول سنة 1420 (**).
__________
(*) "مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين" لـ /د. عبد الناصر أبو البصل أحد تلاميذ المترجم.
(**) مقال للكاتب أحمد بن فخري الرفاعي أحد تلاميذ المترجم.
***
مصطفى الزرقا
(1325 - 1420 هـ)
(1907 - 1999 م)
سيرة الشاعر:
** مصطفى أحمد الزرقا.
ولد في مدينة حلب (سورية)، وتوفي في الرياض (المملكة العربية السعودية).
عاش في سورية والأردن والسعودية والكويت ومصر.
درس الفقه على والده الذي كان يلقّب بأبي حنيفة الصغير، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم الفرنسية، وحصل على الشهادة الثانوية من مدارس حلب، ثم التحق بالجامعة السورية في دمشق (1934) ودرس الحقوق والآداب، ثم سافر إلى مصر للدراسة، وحصل على دبلوم في الشريعة.
عمل مدرسًا للشريعة والقانون المدني في الجامعة السورية (1944)، وتدرّج في وظائفه حتى أصبح أستاذ الشريعة الإسلامية، وعهد إليه (1954) إلقاء محاضرات عن القانون المدني السوري بمعهد الدراسات العربية العالية (القاهرة)، كما عمل مدرسًا في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية بعمّان، وخبيرًا في الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.
شغل منصب وزير الأوقاف والعدل في سورية مرتين، وانتخب عضوًا في مجلس النواب السوري عن مدينة حلب لدورتين (1954).
شارك في وضع مشروع القانون المدني الأردني الجديد، وترأس اللجنة الثلاثية التي وضعت مشروعًا موحدًا للأحوال الشخصية بمصر وسورية (1959 - 1960)،
وشارك في تأسيس مناهج الشريعة وتطويرها بجامعات دمشق، والمدينة المنورة، ومكة المكرمة.
كان عضوًا بالمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي (1977)، واختير عضوًا بإدارة التشريع والبحوث بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة.
= الإنتاج الشعري:
- له قصائد في كتاب: «أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء»، وقصائد نشرتها صحف ومجلات عصره، منها: «تأبين أمين الكيلاني» - مجلة الجامعة الإسلامية - ع 111/ 120 - حلب ديسمبر 1942.
= الأعمال الأخرى:
- له مؤلفات مطبوعة، منها: «عقد التأمين وموقف الشريعة» - مطبعة دمشق - دمشق 1962، و «الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد» - دمشق 1967، و «شرح القانون المدني» - (3 أجزاء) - مطبعة دمشق - دمشق، و «أحكام الأوقاف» - مطبعة الجامعة - دمشق، و «فتاوى مصطفى أحمد الزرقا» - - دار القلم - دمشق1420هـ/ 1999م، وله عدد من البحوث العلمية، نشرتها مجلة الجامعة الإسلامية، منها: «روح الشريعة الإسلامية وواقع التشريع اليومي في العالم الإسلامي»، و «التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب والرأي الشرعي فيها»، و «الشريعة الإسلامية وصلاحها للتطبيق»، و «الاجتهاد ومجال التشريع في الجهاد».
شاعر مناسبات، فقيه عالم مجتهد، مقلّ في نظمه، شعره يلتزم النظام الخليلي، ويتنوع بين الإخوانيات ورثاء الأحبة والأعلام. يغلب على شعره فكر البحث الفقهي والتشريعي والحكمي. ثقافته اللغوية منحته القدرة على ارتياد القوافي الصعبة، مثل (الضاد) التي التزمها في 27 بيتًا في قصيدة رثاء.
حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية (1984).
___________________
= مصادر الدراسة:
1 - سليمان سليم البواب: موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين - دار المنارة - دمشق 2000.
2 - عبد الرحمن حميدة: محافظة حلب - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - دمشق 1992.
3 - عبد القادر عياش: معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين - دار الفكر - دمشق 1985.
4 - محمد راغب الطباخ: إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء (جـ7) - (تعليق محمد كمال) - دار القلم العربي - حلب 1988.
5 - الدوريات:
- مجلة الجامعة الإسلامية - ع 111/ 120 - حلب ديسمبر 1942.
- مجلة الفيصل - ع 275 - الرياض 1999.
= مراجع للاستزادة:
- فريد جحا: الحياة الفكرية في حلب في القرن التاسع عشر - الأهلية للطباعة والنشر - دمشق 1988.